الحمد لله الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسباً وصهرا وأوجب صلة الأنساب وأعظم في ذلك أجرا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعدها ليوم القيامة ذخرا وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أعظم الناس قدراً وأرفعهم ذكرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قاموا بالحق وكانوا به أحرى وعلى التابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد
فيا أيها الناس يا عباد الله اتقوا الله تعالى وأصلوا ما أمركم الله به أن يوصل من حقوقه وحقوق عباده صلوا أرحامكم والأرحام هم الأنساب والأنساب هم الأقارب وليس الأنساب كما يفهمه بعض الناس أقارب الزوج أو الزوجة فإن أٌقارب الزوج أو الزوجة يسمون أصهاراً وليس بأنساب اللهم إلا أن يكونوا من بني العم أو بني الخال فحينئذٍ يكونون أنساباً وأصهارا الأنساب والأرحام هم أقارب الإنسان نفسه كأمه وأبيه وأبنه وبنته وكل من بينه وبينهم صلة من قبل أبيه أو من قبل أمه أو من قبل أبنه أو من قبل أبنته صلوا أرحامكم بالزيارات والهدايا والنفقات صلوهم بالعطف والحنان ولين الجانب وبشاشة الوجه والإكرام والاحترام وكل ما يتعارف الناس من صلة فإن صلة الرحم إن صلة الرحم ذكرى حسنة وأجر كبير إنها سبب لدخول الجنة سبب لصلة الله للعبد في الدنيا والآخرة أقرءوا إن شئتم قول الله عز وجل) إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ*الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ*وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ*وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ*جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ*سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) وفي الصحيحين عن أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله أخبرني بما يدخل الجنة ويباعدني من النار فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
لقد وفق أو قال لقد هدي كيف قلت فأعادها الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل ذا رحمك فلما أدبر قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة) إن صلة الرحم إن صلة الرحم سبب لطول العمر وكثرة الرزق قال النبي صلى الله عليه وسلم
من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم
إن الله خلق الخلق حتى إذا فرق منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائد بك من القطيعة قال الله تعالى
نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك) قالت : بلا قال
فذلك لك) ) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
الرحم متعلقة بالعرش الرحم متعلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ) متفق عليهما ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن صلة الرحم أعظم من العتق ففي الصحيحين عن ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله أشعرت أني أعتقت ولديتي قال
أو فعلتي) قالت : نعم قال
أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك) أيها الناس إن من الناس من لا يصل أقاربه إلا إذا وصلوه وهذا في الحقيقة ليس بصلة فإنه مكافئة وليس بصلة إذا أن المروءة والفطرة السليمة تقتضي مكافئة من أحسن إليك قريباً أم بعيدا قال النبي صلى الله عليه وسلم
ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) متفق عليه فصلوا أرحامكم صلوا أرحامكم إي أقاربكم وإن قطعوكم وإن هجروكم وإن أذلوكم صلوهم فأنتم اليد العليا وهم اليد السفلى إذا قابلوكم بالقطيعة جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال
يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحنوا إليهم ويجهلون علي فقال صلى الله عليه وسلم : إن كنت كما قلت فكأنما تذر المل إي الرماد الحار ولا يزال معك من الله ظهير عليهم إي معين عليهم ما دمت على ذلك) أخرجه مسلم في صحيحه أيها الأخوة إياكم وقطيعة الرحم فإنها سبب للعنة الله وعقابه قال الله عز وجل )فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) وقال سبحانه وتعالى )وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) وقد تكفل الله سبحانه للرحم أن يقطع من قطعها حتى رضيت بذلك وأعلنته فهي متعلقة بالعرش تقول من قطعني قطعه الله وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال
لا يدخل الجنة قاطع) يعني قاطع رحم متفق عليه وأعظم القطيعة قطيعة الوالدين ثم من كان أقرب فأقرب القرابة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا :بلا يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين ) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم جعل عقوق الوالدين من أكبر الكبائر فسبحان الله ما أعظم عقوق الوالدين وما أشد أثمه إنه يلي الإشراك بالله إن عقوق الوالدين أيها الأخوة أن تقطع برهما والإحسان إليهما وأعظم من ذلك أن يتبع قطع البر والإحسان بالإساءة والعدوان سواء بطريق مباشر أم غير مباشر ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ففي الصحيحين عن عبد الله عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال
نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) استبعد الصحابة رضي الله عنهم أن يشتم الرجل والديه مباشرة ولعمر الله إنه لبعيد لأنه ينافئ المروءة والذوق السليم فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن شتم الرجل لوالديه قد يكون بغير مباشرة ولكن عن طريق التسبب بأن يشتم الرجل شخص فيقابله بالمثل ويشتم والديه وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأربع كلمات: ( لعن الله من ذبح لغير الله لعن الله من لعن والديه لعن الله من أوى محدثا لعن الله من غير منار الأرض إي غير مراسيم الأرض بتقديم أو تأخير وأعظم من ذلك أن يأخذ الأرض كلها ظلماً وعدونا) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضٍ) فيا عباد الله يا من أمنوا بالله ورسوله انظروا في حالكم انظروا في أقاربكم هل قمتم بما يجب لهم عليكم من صلة هل ألنتم الجانب لهم هل أطلقتم لهم الوجوه هل شرحت لهم الصدور عند لقائهم هل قمتم بما يجب لهم من محبة وتكريم واحترام هل زرتموهم في صحتهم توددا وهل عدتموهم في مرضهم احتفاء هل بذلتم ما يجب بذله لهم من نفقة وسداد حاجة فلينظر الإنسان إن من الناس من لا ينظر إلى والديه الذين أنجباه الذين أنجباه وربياه إلا نظر احتقار وسخريه وازدراء وإنه ليكرم امرأته ويهين أمه ويقرب صديقه ويبعد أباه إذا جلس عند والديه فكأنما جلس على جمر يستثقل الجلوس ويستطيل الزمن اللحظة عندهما كالساعة، كالساعة أو أكثر لا يخاطبهما إلا ببط وتثاقل ولا يفضي إليهما بسر ولا بأمر مهم قد حرم نفسه لذة البر وعاقبته الحميدة وإن من الناس من لا ينظر إلى أقاربه نظرة قريب لقريبه ولا يعاملهم معاملة تليق بهم يخاصمهم في أقل الأمور ويعاديهم في أتفه الأشياء ولا يقوم بواجب الصلة لا في الكلام ولا في الفعال ولا في بذل المال تجده مثرياً وأقاربه محاويج فلا يقوم بصلتهم بل قد يكنون ممن تجب نفقتهم عليهم لعجزهم عن التكسب وقدرته على الأنفاق عليهم ومع ذلك لا ينفق عليهم وقد قال العلماء رحمهم الله كل من يرث شخصاً من أقاربه فإنه تجب عليه نفقته إذا كان محتاجاً عاجزاً عن التكسب وكان الوارث قادر على الأنفاق لأن الله تعالى يقول
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف) ويقول عز وجل)وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) إي مثل ما على الوالد من الإنفاق فمن بخل بما يجب عليه من هذا الإنفاق فهو آثم محاسب عليه يوم القيامة سواء طلبه المستحق أم استحي وسكت عباد الله اتقوا الله تعالى وصلوا أرحامكم واحذروا من قطيعتهم واستحضروا دائماً ما أعد الله للواصلين من الثواب وللقاطعين من العقاب وستجدون لذة الوصل في قلوبكم زيادة في الإيمان وزيادة في اليقين وحباً للخير أسال الله تعالى أن يجعلني وإياكم من مَن يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويبعدون عن القطيعة إنه على كل شئ قدير والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.